الثلاثاء، 10 يناير 2012

امتحان الدين الصعب..خلط الدين بالدين



لا استطيع ان اتذكر مره واحده كان امتحان الدين صعبا , كان امتحان الدين في سنوات التعليم الاساسي و الثانوي هو بالقطع الاسهل على الاطلاق و هو يوم اجازه في وسط الامتحانات او يوم "العربي بس يعني " اذا ما اتى مع امتحان اللغه العربيه في نفس اليوم . اذن ملخص القول ان احدا على مدار العشرون سنه الاخيره لم يلقي بال للاهتمام بماده الدين و تدريسها كما ينبغي , سواء كان اسلاميا او مسيحيا . هذه السطور القليله القادمه ايضا ستحمل رؤيه دينيه مسيحيه صرفه لكثير من الاحداث المؤخره , قد يُصدم البعض عندما يقرأ تلك السطور و سيختلف كثيرون معها و سيرى الاكثر انه كلام انشائي نموذجي غير قابل للتطبيق..


"لا تصالح و لو منحوك الذهب ..لا تصالح و لو قيل لك رأس برأس " لا تصالح هي قصيده من احلى ما كتب امل دنقل , لكن هذه القصيده بينما نتغنى بروعتها الشعريه و نقتاد بها شعارا لكثير من المواقف , فهي تضرب مبادىء الديانه المسيحيه كما يؤمن بها معظم مسيحي العالم في الصميم , في مبادئها الجوهريه . المسيحيه تقوم على ثلاث اعمده رئيسيه هي الحب و الغفران و التسامح رتبهم كما شئت فهم مترابطين بالضروره , و لان هذه المبادىء هي جوهر التعليم فسنجد ان السيد المسيح لما قرر ان يبدأ في تبشير الشعب اليهودي ,لما بدأ في خدمته , بدأ بالموعظه على الجبل ليضع الاسس التي لا بديل و لا خلاف عنها . بدأ السيد المسيح بالتطوبيات المشهوره "طوبى لصانعي السلام , طوبى للودعاء , طوبى للرحماء ,طوبى لكم اذا طردوكم " ..و هي وصايا كانت جديده على شعب تعلم غلظه القلب و التدين الظاهري فقال الله عنهم "هذا الشعب يعبدني بشفتيه اما قلبه فمبتعد عني " ..انتقل السيد المسيح لمستوى اعلى و اصعب فبدأ يقول "قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل.ومن قتل يكون مستوجب الحكم. واما انا فاقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم.ومن قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع.ومن قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم " و هنا نجد ان السيد المسيح اضاف على الوصيه القديمه ليس فقط عدم القتل بل ايضا ان كل من يغضب على اخيه باطلا و كل من قال شتم يكون مستوجب الحكم و المجمع بل و ايضا نار جهنم ...الحقيقه انه في هذا العالم تجرفنا الحماسه كثيرا و الغضب ايضا –ربما ظهر بصوره جليه في الايام التي اعقبت الثوره- فنندفع في كيل الشتائم و الاهانات لهذا و ذاك مستحقا لها ام غير مستحق و لكنها في النهايه تخالف الوصيه مخالفه صريحه , يجرفنا العالم تحت تأثير الضغوط اليوميه و المعيشيه و احيانا حتى نساير الكثيرين و ننساق معهم في نفس القطيع فأما ان نتفوه بافظع الالفاظ على اشخاص بعينهم لنؤكد على توافق مواقفنا مع مواقف هؤلاء الكثيرين او نمتنع فنصنف في عداد المخالفين لرأيهم و نتحمل نحن ايضا سيل شتائمهم ...لكن ايضا الوصيه صريحه في انه "ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس " و "كل كلمه بطاله ستطعون عنها حساب "


اكمل السيد المسيح حديثه و انتقل للمستوى الذي يراه الكثيرين الاكثر صعوبه و هي الكلمات الاخيره في الموعظه على الجبل و كأنه اراد ان يقول تلك الكلمات ليتوج بها الموعظه "واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم .لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات.فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم.اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك.وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون.اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السموات هو كامل" هذه هي الوصيه , واضحه و صريحه و لا لبس فيها , ان تحب حتى اعدائك – و اعدائك هنا هم من يعتبرونك انت عدو , اما المسيحي فينبغي ان لا يكون له عدو سوى الشيطان وحده كقول الكتاب " ابليس هو خصمكم " – و لا تحبه فقط بل ان تباركه و تحسن اليه و تصلي لاجل هذا الذي يسيىء اليك و يطردك و يضهدك ايضا ...هل تريدون مثالا صعبا ؟ ينبغي على كل مسيحي ان يحب " اللواء حمدي بدين قائد الشرطه العسكريه " نعم ان يحبه , محبه بلا رياء , و هو الرجل الذي ينسب اليه مسؤليه كل جرائم و قتل و سحل و ضرب المصريين على يد قوات الشرطه العسكريه التي يقودها ...سيبدأ البعض بان يقول كيف احب القاتل , هكذا اصبح قاتل مثله , كيف احب السارق و انتم تعلموننا الخضوع و الذل . الوصيه واضحه و لا تقبل تحريف او تأويل في التفسير , تحب عدوك من كل قلبك , فانت ان لم تفعل هكذا كيف تطلب من الله ان يحبك بالرغم من كل خاطاياك و ذنوبك فكما ان القاتل ليس بارا في عينيك فانت ايضا لست بارا اذا ما حاكمك الله لكنه يحبك على كل حال "فكونوا كاملين كما ان اباكم الذي في السموات هو كامل " ..ان تحب كل من دهس متظاهر امام ماسبيرو و كل من اطلق رصاصه في التحرير و هدم كنيسه في اطفيح ..ان تحب حسني مبارك و اولاده و حبيب العادلي ايضا , ليس معنى هذا ان لا يعاقب على اخطاءه او ان تسكت على حق من حقك فالسيد المسيح ايضا علمنا ان نطالب بالحقوق كما قال " ان كنت قد تكلمت بالردي فاشهد عني بالردي و ان كنت لم اتكلم فلماذا تضربني " و بولس ايضا طالب بحقه عندما قال "الى قيصر رافع انا دعواي " .


هل تتعارض الدعوه الى المحبه مع الدعوه الى المطالبه بالحق و القصاص , بالطبع لا فلا تعارض ولا تناقض في وصايا الله , لكن الامر ان السيد المسيح في حياته على الارض قدم امثله على المحبه و تسامحه مع اليهود و الكهنه و الفريسين و قدم امثله عن مطالبته بالحق في دفع الاضطهاد- و هو كما يعلمنا الكتاب امر حتمي الحدوث و انه سوف يكون متكررا "حينئذ يسلمونكم الى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الامم لاجل اسمى " " فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم " - و لذلك تفسير بسيط فان السيد المسيح يعطينا ان نتعلم الدرسين و نتدرج فيهما , فهو لانه يعلم ان الوصول الى مرحله محبه المضطهد و قبول الاضطهاد بفرح, – كما كان في القرون الاولى للمسيحيه هي الصفه السائده في الكنيسه و ليس بالغضب و الوعيد بالانتقام و اخذ الحق باليد كما هو الحال الان – هي مرحله متقدمه في الحياه الروحيه لا وصول لها الا بالتدرج في تطبيق الوصيه فاعطانا متنفذ لذلك الغضب الانساني الذي يتولد و هو الذي لا يتولد فيما بعد عندما يصل الانسان الى تلك المرتبه الروحيه كمثال السيد المسيح على الصليب و هو يغفر لصالبيه و  كاسطفانوس اول الشهداء الذي قبل الشهاده بفرح بل و صلى لله ان يغفر لقاتليه ايضا .و حتى ان بالنظر الى حياه السيد المسيح على الارض او الرسل و منهم بولس الرسول , نجد ان عدد الامثله التي قدموها في الغفران و المسامحه المطلقه لمضطهديهم فاقت كثيرا جدا عدد مرات الدعوى الى مجازاه الفعل الظالم ..هذه هي المسيحيه ,قائمه على الحب و التسامح و الغفران فأن كنت قدر رضيت بالمسيحيه دينا حقيقيا لك فها هي الحقيقه و الوصيه واضحه ...اخيرا اترككم مع تلك القصه القصيره و ايات ختاميه :
"حدثت هذه القصه الواقعيه اثناء غزو النازيين لفرنسا لفرنسا فى الحرب العالميه الثانيه ، حيث اتت عائله يهوديه الى انسان مسيحى يدعى " انريكو " هاربين من اضطهاد النازيين لهم . فدعاهم للدخول و خبأهم من الشرطه و اخذت العائله اليهود و قبضت على " انريكو " ايضا و القى فى السجن لشهور طويله . و فى يوم عيد الميلاد 1944 استدعى حاكم المعسكر " انريكو " ليشاهد وجبه شهيه و قال له " اننى اريدك ان تشاهد عشاء عيد الميلاد الذى ارسلته زوجتك قبل ان اكله
..
ان زوجتك طباخه ماهره ! انها ترسل لك وجبه كل يوم و انت فى السجن و قد استمتعت انا بكل الوجبات " .
كان " انريكو " نحيفا و كان جلده على عظمه من كتر الجوع . لكنه نظر الى المائده المزدحمه بالاكل و قال " اننى اعلم ان زوجتى ماهره و انا اثق انك ستستمتع بعشاء عيد الميلاد " و طلب الحاكم منه ان يكرر ما قاله ، فكرر مضيفا " اتمنى ان تكون قد استمتعت بالطعام لاننى احبك " عندئذ صرخ حاكم المعسكر " اخرجوه من هنا .. لقد اصبح مجنونا " . انتهت الحرب و اطلق انريكو صراحه و استغرق مده كبيره لكى يسترد عافيته . و قرر ان يأخذ زوجته الى المدينه التى كان مسجون بها . و
عندما وصلا هناك عرفا ان حاكم السجن يعيش فى نفس المدينه و هنا فكر انريكو ان الحاكم كان يستمتع باكل زوجته فطلب منها ان ان تشترى طعام و تطبخه ليذهبا الى بيت هذا الحاكم و بالفعل ذهبا و قال " انريكو " للرجل اتعرفنى ؟ كان " انريكو " قد ازداد وزنه و تغير شكله فكان على الحاكم ان ينظر بتمعن و لم يعرفه فذكره " انريكو " قائلا ما حدث فى يوم عيد مياد 1944 امتعض الحاكم و اصفر لونه فقال له انريكو لا تخف لن نؤذيك قلت لك فى ذلك اليوم انى احبك و مازلت احبك " فوقف الحاكم مندهشا فقال " انريكو لست مجنونا بل انى احبك بصدق و انا وزوجتى نريد ان نجلس معك و ناكل معا من
اكل زوجتى الذى تحبه فخاف الرجل اكثر و قال " ماذا تحاولان الفعل بى ؟ فقال انريكو لا شىء اننا نريدك ان تعرف اننا سامحناك و نحبك . فسأل الرجل كيف تستطيعان فعل ذلك ؟" فقال " انريكو " " لا نستطيع ان نفعل ذلك بأنفسنا و لكن بيسوع المسيح علمنا كيف نغفر "


من رساله بولس الرسول الى اهل روميه الاصحاح الثاني عشر : " باركوا على الذين يضطهدونكم.باركوا ولا تلعنوا.لا تجازوا احدا عن شر بشر.معتنين بامور حسنة قدام جميع الناس ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس.  لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب.لانه مكتوب لي النقمة انا اجازي يقول الرب.فان جاع عدوك فاطعمه.وان عطش فاسقه.لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه.لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير"


ملحوظه : هذه السطور لا علاقه لها بما اثير حول ترحيب قداسه البابا باعضاء المجلس العسكري و قبوله تهنئه العيد منهم , هذه السطور تخص اتجاه عام ينبغي علينا كمسيحين ان نسلك فيه و يبدو انه قد نسي ,اما رفض البعض لكلمات البابا و قبول البعض الاخر لها و الصراع الفكري الناشىء عن هذا الخلاف بعد ذلك هو ما اظهر ان كثيرا من المسيحين قد نسوا مثيرا ايضا من مبادىء المسيحيه كاسلوب حياه

0 التعليقات:

إرسال تعليق